دليلك إلى "حياة رقمية" لا تكشف أسرارك على الإنترنت

  • صوفيا سميث غيلر
  • صحفية
فتاة تتصفح هاتفها المحمول

صدر الصورة، Getty Images

ربما تعرف التطبيقات ومحركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي أسرارك التي قد لا يعرفها أصدقاؤك المقربون. الصحفية صوفيا سميث غيلر تجرب برنامجا جديدا يسمى "داتا ديتوكس" لتستكشف ما الذي تعرفه هذه المواقع والتطبيقات عن حياتها الشخصية.

عندما قرأت في البداية عن برنامج "داتا ديتوكس"، أو التخلص من البيانات التي قد يؤدي تراكمها على المدى الطويل إلى عواقب سلبية، ظننت أنه دليل للانقطاع تماما عن الإنترنت، وهذا يعني بالنسبة لي القضاء على مستقبلي المهني. لكن هذا البرنامج الذي يستمر على مدار ثمانية أيام يساعدك، في واقع الأمر، على استكشاف حياتك الرقمية وتنظيمها.

صممت هذا البرنامج مؤسستان لا تهدفان للربح، وهما "موزيلا" و"تاكتيكال تيكنولوجي كوليكتيف"، بالتزامن مع تدشين معرض "غلاس روم" في لندن الذي يدعو زواره لاكتشاف ما يحدث لبياناتهم في الخفاء.

ويقول القائمون على ذلك المعرض التكنولوجي: "يستطيع مستخدم برنامج 'داتا ديتوكس' أن يقلل من المعلومات المتاحة عنه على الإنترنت بخطوات سهلة وعملية في أقل من نصف ساعة يوميا. ونأمل أن يساهم هذا البرنامج في تغيير نظرة الناس إلى جمع البيانات".

ولذا قررت أن أخوض التجربة بنفسي وأنقل نتائجها يوما بيوم.

اليوم الأول: الاستكشاف

يهدف اليوم الأول إلى تنبيه المستخدم إلى كم المعلومات المتاحة عنه عبر محركات البحث. وبطبيعة الحال، لأني صحفية ومن أبناء جيل الألفية، اكتشفت أن الكثير من تفاصيل حياتي متاحة على الإنترنت.

وإذا حذفت سجل التصفح، وبحثت عن اسمك في محرك بحث مثل غوغل، سترى جميع الصور والروابط التي لها علاقة باسمك على الإنترنت، كما يراها الأخرون. وحتى هذا الحد، لم تثر النتائج مخاوفي، لأني نشرت بنفسي كل هذه المعلومات تقريبا.

إلا أن الأمر تغير عندما بحثت في محركات بحث أخرى، مثل "داك داك غو"، وهو موقع بحث لا يهدف للربح، وهذا يعني أنه على عكس غوغل ليس له مصلحة من جمع المعلومات من سجل التصفح الخاص بك، ولا من تقديم نتائج بحث تناسبك على وجه الخصوص.

وبإمكان هذا المحرك أن يكمل الجملة التي تبحث عنها تلقائيا، بالاستعانة بمصادر أخرى، مثل مواقع ياهو، وبينغ، ويانديكس. وعندما كتبت اسمي في محرك غوغل تنبأ، بناء على أبحاث الأخرين في هذا المحرك، أني أعمل لدى "بي بي سي"، على عكس محرك "داك داك غو".

شخص ينظر من خلال منظار، تظهر على عدستيه رموز رقمية

صدر الصورة، iStock

التعليق على الصورة، "هل تُعد غوغل صديقك الحميم؟"

وقد تساءلت على الفور لم قد يبحث شخص ما عن اسمي؟ هل بسبب مقالاتي ، أم الجهة التي أعمل لديها؟ إلا أن هذا يبرز مدى تأثير الموضوعات التي يبحث عنها الأخرون على عاداتنا وسلوكياتنا الرقمية.

اليوم الثاني: كل شيء في مكان واحد

يسألك البرنامج في اليوم الثاني: "هل تُعد غوغل صديقك الحميم؟". واكتشفت أن غوغل هو بالفعل أقرب صديق لي.

ثم يسألك البرنامج عن المعلومات التي تشاركها مع غوغل، وهل ستفصح عن نفس المعلومات لصديقك المقرب؟

ولأني أستخدم من منتجات وتطبيقات غوغل متصفح الويب كروم، وتطبيق المستندات، والبريد الإلكتروني "جيميل"، والترجمة، وتطبيق "يوتيوب"، والخرائط، فهذا يعني أن غوغل يعرف مكاني، والجهاز الذي استخدمه والأسئلة التي تطرأ على بالي، والعمل الذي كُلفت به.

أضف إلى ذلك الرسالة التي أكتبها على البريد الإلكتروني، وحتى المصرف، والطبيب، وموفر خدمة الهاتف، الذين أتعامل معهم، والكلمات التي لا أعرفها بلغات أخرى، وكل ما أشتهيه، أو أتعلمه، أو أحب أن أستمع إليه، والأماكن التي زرتها في الماضي، وعدد المرات التي زرتها فيها، وتفاصيل تنقلاتي من مكان لأخر.

صحيح أن صديقتي المقربة تعرف عني الكثير، ولكنها لا تعرف كل هذه المعلومات.

وإذا كان لديك هاتف أندرويد، فإن غوغل لديه سجل بجميع طلبات البحث التي سجلتها بصوتك عبر منتجاته وتطبيقاته، وهذا يعني أن غوغل يمكنه التعرف على صوتك أيضا.

لكن برنامج "ديتوكس" يرشدك إلى خطوات إلغاء سجل أنشطتك السابقة على خدمات ومنتجات غوغل خطوة بخطوة.

اليوم الثالث: إلى أي مدى يعرفك موقع فيسبوك؟

كان هذا اليوم أفضل من سابقيه، لأنني أدركت أنني لم أعد أنشر أي شيء على موقع فيسبوك، وهذا يرجع إلى ظاهرة "انهيار السياق الاجتماعي"، التي تعني تداخل جميع السياقات الاجتماعية مع بعضها، بحيث يتعذر تصنيف الجمهور الذي تخاطبه والسياق الذي تخاطبهم فيه. وهذه الظاهرة أصبحت مصدر قلق لشركة فيسبوك.

شابان يتصفحات هاتفيهما

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، في كل مرة تضغط فيها على زر الإعجاب في موقع فيسبوك وتويتر، تجمع شركات أخرى، من خلال أنظمة التعقب التي تمتلكها، معلومات عن الصفحات التي زرتها والأشياء التي تستهويك

وبينما كنت أنشر في سن المراهقة جميع أخباري وأنشطتي مع أصدقائي على موقع فيسبوك، فإنني الآن أنشر صور الأماكن التي زرتها على موقع إنستغرام، والمقالات الإخبارية على موقع تويتر.

وقد باتت صفحات الكثير من مستخدمي فيسبوك تغص بالصور والتعليقات المحرجة التي ذكرهم أصدقاؤهم فيها في أيام الطفولة، ولا تزال باقية في سجلهم الرقمي. فهل آن الأوان أن تحذف اسمك من هذه الصور والتعليقات أو تطلب من أصدقائك حذفها؟

اليوم الرابع: البحث عبر الإنترنت وتصفح المواقع

في كل مرة تضغط فيها على زر الإعجاب في موقع فيسبوك وتويتر، تجمع شركات أخرى، من خلال أنظمة التعقب التي تمتلكها، معلومات عن الصفحات التي زرتها والأشياء التي تستهويك، وعنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بك.

لكن هناك الكثير من أنظمة التعقب المستترة التي تراقب عاداتك وميولك عبر الإنترنت. وإذا كانت الشركة تمتلك أنظمة تعقب في الكثير من المواقع، فسيكون لديها سجل شامل عن عاداتك في تصفح مواقع الإنترنت.

ولا توفر إعدادات الخصوصية بمتصفح الإنترنت الحماية الكافية للمستخدم، ولهذا ينصح البرنامج بأن تعدلها بنفسك، أو أن تستخدم وضع التصفح الخاص، كما في متصفح سفاري، أو الوضع الخفي، كما في متصفح كروم، حتى لا يُختزن سجل تصفحك للمواقع.

وبإمكانك أيضا منع أنظمة التعقب المستترة من التجسس عليك من خلال تنزيل برامج وإضافات تعزز من الأمان في متصفح الإنترنت. فضلا عن أن المواقع التي يبدأ عنوانها ببروتوكول "https"، وليس "http"، تضمن لك أن المعلومات المنقولة من جهازك ستكون مشفرة.

وينبه البرنامج أيضا إلى أن: "التصفح الخاص أو الخفي يحجب بعض معلوماتك عن المواقع الأخرى وأنظمة التعقب، ولكنه لا يخفي هويتك عن الأخرين على الإنترنت".

اليوم الخامس: الاتصال

يقول البرنامج في اليوم الخامس إن "هاتفك المحمول يسعى لإثبات وجوده من خلال الإرسال الدائم للإشارات كلما أتيحت له الفرصة، والتواصل مع أي إشارات يصادفها في طريقه".

شخص متخفٍ يجلس أمام جهاز كمبيوتر محمول

صدر الصورة، iStock

التعليق على الصورة، تنتج التطبيقات التي يمتلئ بها هاتفك أيضا الكثير من البيانات الزائدة عن الحاجة، وكلما زادت التطبيقات عن 40 تطبيقا، صرت هدفا أسهل للباحثين عن البيانات

وتبحث هواتفنا طوال الوقت عن شبكات إنترنت لاسلكي أو شبكة بلوتوث، وإذا أطلقت اسمك على جهازك عند الاتصال بالإنترنت، فلتتخيل عدد الأشخاص الذين تفصح لهم اسمك.

وتعد بيانات الموقع الجغرافي للجهاز مصدرا آخر للقلق. وبإمكانك الحد من المعلومات القيّمة عن موقعك الجغرافي التي تمنحها مجانا للشركات التي تجمع البيانات، كما يمكنك إيقاف الاتصال بالشبكات اللاسلكية، حينما لا تحتاج إليها.

وربما تستدعي خدمات تعقب موقع الهاتف التأمل والحذر، لما تكشفه من معلومات عن مكان سكنك وعملك، والأماكن التي تتردد عليها في وقت الفراغ، ونمط الحياة التي تعيشها، لكل من لديه حق في الوصول إلى هذه المعلومات.

وقد يترتب على ذلك تبعات كثيرة، منها أن كل شبكة إنترنت لاسلكي تتصل بها سترى قائمة الشبكات الأخرى التي اتصلت بها في الماضي، لأن أغلب الشبكات لها اسم يسهل التعرف عليه.

وهذا يعني أن صاحب الشركة التي تعمل بها بإمكانه نظريا أن يعرف أنك تقدمت، في الخفاء، للحصول على وظيفة في الشركة المنافسة.

ومن الممكن أيضا أن يعرف من تواعده أو زوجك الأماكن التي واعدت فيها شخصا آخر من خلال تتبع شبكات الإنترنت اللاسلكي في هذه الأماكن.

اليوم السادس: تخلص مما يزيد عن حاجتك

تنتج التطبيقات التي يمتلئ بها هاتفك أيضا الكثير من البيانات الزائدة عن الحاجة، وكلما زادت التطبيقات عن 40 تطبيقا، صرت هدفا أسهل للباحثين عن البيانات. والطريقة الأبسط لتنظيم بياناتك هي حذف التطبيقات التي لا تستخدمها.

أما عن التطبيقات التي لا تستطيع الاستغناء عنها، مثل تطبيقات التواصل الاجتماعي، فيمكنك أن تعدل إعدادات الخصوصية فيها.

وهناك أيضا تطبيقات بديلة تتيح لك التواصل مع الأخرين من دون أن تجني المال من بيع معلوماتك، مثل "سكايب"، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى مثل "جيتسي" و"ميت" و"سيغنال"، وكلها لا تهدف للربح، ومجانية ومفتوحة المصدر.

شخص يتصفح هاتفه المحمول

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، تستدل كل من منصة فيسبوك وغوغل على مواصفاتك بناء على نشاطك على الإنترنت لكي تفشي أسرارك للشركات المعلنة،

اليوم السابع: ما هي الصورة التي عكستها عاداتك في تصفح المواقع؟

تستدل كل من منصة فيسبوك وغوغل على مواصفاتك بناء على نشاطك على الإنترنت لكي تفشي أسرارك للشركات المعلنة، ويمكنك الاطلاع على هذه المواصفات التي تسجلها غوغل وفيسبوك عنك من خلال التوجه إلى إعدادات الإعلانات الموجهة لتناسب المستخدم.

ورغم ذلك، فإن غوغل لا يعرف سوى عمري، وفيسبوك أيضا لا يعرفني بما يكفي، وعرض معلومات خاطئة عن عملي وهواياتي، ولكنه عرف الأجهزة التي أملكها ويظن أني أحب امتلاك الأجهزة التكنولوجية الحديثة والتسوق.

لا شك أن هذه المعلومات تساعد فيسبوك في تحديد نوعية الإعلانات التي توجه إليك، ولهذا عندما تحدث بياناتك على موقع فيسبوك، كلما طرأ حدث هام في حياتك، كتغيير الوظيفة أو الزواج، أو الإنجاب، فأنت تخبره أيضا بأن عاداتك في الإنفاق ستتغير قريبا.

إلا أن الجانب المظلم هو أن هذه البيانات التي يجمعها فيسبوك قد تستخدم أيضا في قياس العوامل النفسية للمتسخدمين وسلوكياتهم الشخصية لغرض تحديد ميولهم في التصويت الانتخابي، أو شعورهم حيال بعض الأفراد في المجتمع.

وقد سمحت فيسبوك بالفعل لبعض المعلنين بإيصال رسائلهم لبعض "كارهي اليهود"، كما سمحت لغيرهم بحجب إعلانات عن أعراق بعينها. وفي عام 2016، توصلت شركة لتوفير خدمات التأمين على السيارات إلى تطبيق يتنبأ بأنماط قيادة المستخدمين بناء على عدد علامات التعجب التي يستخدمونها.

لذا، ربما يجدر بك أن تفكر لبعض الوقت قبل أن تضغط على تضغط على زر "أوافق".

اليوم الثامن: كيف تغير أسلوب حياتك الرقمي

ينصح البرنامج بوضع أهداف أسبوعية أو شهرية لتلافي تراكم البيانات مرة أخرى. ويمكنك أن تستعين بخاصية التذكير في الهاتف لتغير الرقم السري، وتحذف سجل التصفح، وتقيّم استخدامك لمواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر.

كما عرض البرنامج قائمة بالتطبيقات البديلة التي توفر لك خصوصية وأمان أعلى من غيرها، وينصح بإنشاء حسابات بريد إلكتروني منفصلة لكل جانب من جوانب حياتك الرقمية.

ويُذكرك البرنامج في ذلك اليوم: "لكي ينجح أسلوب حياتك الرقمي الجديد، حاول أن تجذب أصدقاءك وأفراد عائلتك لتجربة البرنامج، لأن نشاطهم على الإنترنت يؤثر عليك. فكلما ذكرك أصدقاؤك في صورهم، أو أرسلوا معلومات عنك على المواقع، زادت البيانات المتاحة عنك على شبكة الإنترنت، مهما كنت حريصا على إخفائها".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .