هل تقوض أزمة تركيا الاقتصادية فرص حزب أردوغان في الانتخابات؟

  • شهدي الكاشف
  • بي بي سي - اسطنبول
اردوغان

صدر الصورة، Anadolu Agency

التعليق على الصورة، يقود الرئيس أردوغان حملة الدعاية في الانتخابات المحلية نيابة عن مرشحي حزبه

في طابور طويل، يقود إلى خيمة بيضاء كبيرة، يصطف العشرات من سكان حي غازي عثمان باشا، في وسط اسطنبول، للوصول إلى سوق أقامته بلدية المدينة في 50 حياً شعبياً داخل اسطنبول لبيع المواد الغذائية الأساسية والخضروات بأسعار مدعومة من الدولة.

الانتظار يعد أمراً مجدياً في بلد ارتفع فيه سعر كيلو غرام البصل عشرة أضعاف، بينما يباع في داخل تلك الخيام بثلث سعره، كما يقول الموظف الحكومي محمد بولنت (٥٥ عاماً).

ويضيف أن سعر كيلو البصل بلغ 6 ليرات، وكذلك البطاطا، أما الفلفل فبلغ 25 والباذنجان قفز إلى 15 ليرة، واصفاً الأسعار بأنها "جنونية".

الناس في اسطنبول لا يتحدثون إلا عن الوضع الاقتصادي، فقبل أيام من موعد الانتخابات، هبطت قيمة الليرة التركية بمعدل ٣٪، لتصل الى حدود 5.8 ليرة مقابل الدولار٬ لتخسر نحو نصف ليرة كاملة من قيمتها في غضون ساعات.

ويضيف بولنتك "الوضع يزداد سوءاً، فالعملة المحلية تفقد قيمتها بشكل مستمر، والأسعار في ارتفاع، ونخشى أن تختفي هذه الخيم التي أقامتها الدولة بعد انتهاء الإنتخابات".

مخاوف

مخاوف هذا الرجل هي مخاوف السواد الأعظم من سكان اسطنبول من محدودي الدخل، فكثيرون منهم يرون في قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقامة تلك الأسواق الشعبية في الأحياء المكتظة بالسكان، جزءاً من حملته الانتخابية لدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية التي ستجرى أواخر الشهر الحالي، في ظل مخاوف من إلغاء فكرة تلك الخيم بعد انتهاء الانتخابات.

طوابير

صدر الصورة، NurPhoto

التعليق على الصورة، أقامت الحكومة أسواقاً للمواد الغذائية المدعومة في اسطنبول وأنقرة فقط
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

يرى المحللون بأن الملف الاقتصادي سيكون هو التحدي الأكبر الذي يواجه أردوغان وحزبه في هذه الانتخابات. الإنجازات الكبيرة التي لطالما تغنى بها الحزب وأردوغان، على مدى سنوات حكمه السبع عشرة، من معدلات نمو اقتصادي ومشاريع بنية تحتية، وطرق وجسور وأنفاق ومطارات، تقف عاجزة اليوم، أمام ارتفاع نسب البطالة والتضخم في البلاد.

المعارضة التركية، لم تفوت الفرصة، فقد خاطب كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، في تجمع جماهيري أنصار الحزب الحاكم، قائلا: "لا تدعوه (اردوغان) يخدعكم، فالكلام عن تركيا قوية اقتصادياً لم يعد ينطلي على أحد، ونحن نشاهد طوابير من العاطلين عن العمل، وطوابير من الناس الذين يقفون بانتظار الحصول على كميات قليلة من البطاطا والبصل"، وتساءل قليجدار أوغلو: "أي دولة قوية تلك التي تستورد البطاطا والبصل وحتى اللحوم من الخارج؟ لقد بلغنا الحضيض أيها السادة".

ارتفع المعدل السنوي للتضخم في تركيا إلى 25 في المئة في سبتمبر/أيلول الماضي بحسب بيانات رسمية، وهو أعلى معدل منذ 15 سنة، في وقت فقدت فيه الليرة التركية ما يقارب من 40 في المئة من قيمتها، في غضون عام.

وتتهم الحكومة التركية، أطرافاً لم تسمها، بشن حرب تستهدف المواطن التركي ولقمة عيشه للتأثير على موقفه من الحزب الحاكم في الانتخابات. وأمر وزير المالية التركي براءت آلبيرق، المفتشين في المناطق الزراعية في البلاد، بضبط تجار الجملة الذين يقومون بتخزين محاصيل البصل، لرفع الأسعار.

وعثر مسؤولو البلدية في مدينة ماردين في جنوب شرقي البلاد الشهر الماضي على 30 طناً من البصل في مستودع، وتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد مالك المنشأة.

وأثارت هذه الإجراءات سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن هناك إجراءات أكثر أهمية يتعين على الحكومة اتخاذها، لإنقاذ الاقتصاد من وضعه المتدهور.

أكرم إمام اوغلو

صدر الصورة، OZAN KOSE

التعليق على الصورة، يخوض حزب اردوغان المنافسة ضد مرشح المعارضة أكرم إمام اوغلو في اسطنبول

أسوء موسم

ويواجه تجار الملابس حالياً في السوق القديم بمدينة إزمير أسوء موسم. وينادي أصحاب المحال طوال اليوم على زبائن يتجولون ويشاهدون ولا يشترون رغم العروض المغرية التي يقدمها أصحاب المحال والتخفيضات الكبيرة التي تصل إلى النصف أو أكثر كما يقول بويراز تيكين (٤٤ عاما) وهو صاحب محل في السوق.

ويؤكد تيكين: "الناس لا تمتلك نقوداً لشراء الملابس فأولوياتها الآن هي سد احتياجاتها من المواد الأساسية".

ويقول أونور، وهو عامل في أحد المحال التجارية، إن رب العمل خفض راتبه بسبب تراجع معدلات البيع في الأشهر الأخيرة، وأضاف أن عدداً من المحلات استغنت عن بعض العاملين لتقليص النفقات.

ورغم أن المعارضة تعد ناخبيها بتحسين الأحوال المعيشية وانعاش اقتصاد البلاد، في حال خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الانتخابات، إلا أن الوضع في إزمير والتي يدير بلدياتها حزب الشعب الجمهوري المعارض من سنوات طويلة، يجعل الأمر محيراً للناس، كما يقول يوكسل دامير (٦١عاما)، صاحب مصنع أحذية في المدينة، ويضيف "كيف سيقومون بالتغيير إذا كانت إزمير التي يديرونها في أسوء حال أيضا؟ أعتقد أن الوضع لن يتحسن فكل الأحزاب تكذب".

الوضع الاقتصادي يعد عنواناً لأزمة تمر بها تركيا وبات شعاراً لكل الأحزاب. الناس يشكون من ارتفاع الأسعار، ومن ارتفاع قيمة الخدمات والفواتير وحتى المحروقات، فيما تعلن الحكومة عن إجراءات لمكافحة الغلاء، من بينها رفع الحد الأدنى للأجور إلى ألفي ليرة تركية (٣٨٠دولارا).

بصل وبطاطا

صدر الصورة، NurPhoto

التعليق على الصورة، ارتفع سعر البصل عشرة أضعاف

تحايل

تقول إحدى السيدات العاملات في شركة خاصة في سوق ديار بكر وتدعى غلبير، إن رب العمل يقوم بتحويل معاشها الشهري إلى حسابها في البنك، وتقوم هي بسحبه وإرجاع نصفه إلى صاحب العمل، "للتحايل على الدولة"، وتشير إلى أن غالبية أصحاب العمل يشترطون ذلك مقابل تشغيل الشباب.

ويتنافس ١٢ حزباً سياسياً على مقاعد البلديات في إحدى وثمانين محافظة تركية، ويبدو أن الأكراد الذين يمثلهم حزب الشعوب الديمقراطية، أمامهم فرصة لتغيير نتائج الانتخابات، لصالح أحزاب أخرى، في ظل اتهامات الحزب الحاكم لهم، بالتحالف غير المعلن مع أحزاب اليسار، لدعمهم في الولايات الرئيسية في مواجهة مرشحي الحزب الحاكم.

فعلى سبيل المثال الأكراد، يشكلون نحو عشرين في المائة من سكان البلاد، يمتلكون نحو ثلاثة ملايين صوت في اسطنبول وحدها، بحسب بعض الإحصاءات.

يعي أردوغان تماماً أن المنافسة هذه المرة لن تكون سهلة، فلم يعد بالإمكان إقناع الناس بأن البلاد تواجه خطراً من الخارج، فالأوضاع على الحدود هادئة، ولم يعد هنالك تهديد من قبل تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، كما كان الحال في الانتخابات السابقة، "والناس باتت تتساءل عن لقمة عيشها، وتريد حلولاً لا شعاراتاً"، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي أتاكان ويسي.

منافسة شرسة

ويشير ويسي إلى أن المنافسة ستكون قوية في المدن الرئيسية الثلاث، إزمير وأنقرة واسطنبول، ففرص اليسار التركي (حزب الشعب الجمهوري) الذي تحالف من القوميين (الحزب الجيد) تبدو أقوى في كل من إزمير وأنقرة، بينما تحتدم المنافسة بين مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم (رئيس البرلمان السابق) ومرشح المعارضة (أكرم إمام اوغلو) في مدينة اسطنبول والتي كما يبدو ستكون هي المدينة التي ستحسم نتائج الانتخابات.

و تعهد يلدريم بجعل مدينة اسطنبول أكثر سعادة واستقرارًا وأمنًا. ووجّه كليجدار أوغلو خلال كلمة له بتجمع انتخابي في ولاية تكيرداغ، سؤالاً ليلدريم قال فيه "لقد كانت ميزانية تركيا كلها بين يديك حينما كنت رئيساً للوزراء ووزيراً للمواصلات، فلماذا لم تفعل حينها ما تعد به الناخبين حاليا؟".

ويقول مراقبون إن الإنتخابات المقبلة، قد تبدو الفرصة الأخيرة بالنسبة لأحزاب المعارضة التي بدت موحدة أكثر من أي وقت مضى هذه المرة، في مواجهة الحزب الحاكم.

يحتاج أردوغان لنسبة تزيد عن ٣٨ بالمئة لضمان فوز حزبه في هذه الانتخابات، وإلا فإن سيناريوهات كثيرة لا تبشر بالخير بمستقبل الحزب تلوح في الأفق في حال خسارته، رغم دفعه بكل أوراقه القوية من قيادات حزبه لخوض السباق، فهل ينجح اردوغان في تجاوز هذا الامتحان الصعب؟ أيام قليلة تفصلنا عن معرفة الجواب اليقين.