كأس العالم 2022: نجاح المنتخب المغربي فوز لأفريقيا أم العرب أم الأمازيغ؟

  • مجدي عبدالهادي
  • محلل شمال أفريقيا
مشجع مغربي في مبارات بطولة كأس العالم في قطر 2022

صدر الصورة، Reuters

شهدت بطولة كأس العالم التي استضافتها قطر هذا العام جدلا لم يسبق له مثيل.

وتفاوت الجدل منذ قرار منح قطر امتياز استضافة الحدث الرياضي، بغض النظر عن سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان، وحتى اللحظة الأخيرة التي وضع فيها أمير قطر عباءة عربية على كتفي أسطورة كرة القدم الأرجنتيني، ليونيل ميسي، قبل أن يوشك على رفع كأس العالم يوم الأحد الماضي.

بيد أن جدلا واحدا لم يحظ سوى ببعض الاهتمام أو لم يلفت الأنظار خارج منطقة دول الشمال الأفريقي.

بدأ الأمر بطرح سؤال بسيط: ما توصيف المنتخب المغربي، "أسود الأطلس"، الذين أدهشوا العالم أجمع بأدائهم المتميز، متحدين الصعاب بعد أن تغلبوا على فرق من العيار الثقيل مثل إسبانيا والبرتغال؟ هل هو أول فريق "عربي" أم "أفريقي" يصل إلى الدور قبل النهائي؟.

من الناحية الثقافية يرى العديد من المغاربة أنفسهم عربا أكثر من كونهم أفارقة، كما يشكو بعض الأفارقة في منطقة الصحراء الكبرى في المغرب من مواقف تتسم بعنصرية.

بيد أن تصريحات أدلى بها اللاعب المغربي سفيان بوفال، بعد فوزه منتخب بلاده على إسبانيا في بطولة كأس العالم، أثارت جدلا واسع النطاق بشأن هوية البلاد في القارة، إذ أعرب عن شكره لـ "كل المغاربة في كل أنحاء العالم، وكل العرب والمسلمين على دعمهم"، مضيفا "هذا الفوز لكم".

مشجع سنغالي يشاهد مباراة المغرب وفرنسا التي اقيمت في 14 ديسمبر/كانون الاول في بطولة كاس العالم 2022

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

حصل المغرب على دعم افريقي كما يظهر في هذا الحشد في السنغال، اثناء مباراة المغرب أمام فرنسا

وبعد رد فعل عنيف على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، اعتذر اللاعب على إنستغرام عن عدم ذكر دعم القارة الأفريقية للفريق، وهو دعم عبر عنه في وقت سابق الرئيس النيجيري، محمد بخاري، عندما صرح بأن المغرب "جعل القارة بأكملها فخورة بعزمه وبراعته".

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

وكتب بوفال، تصحيحا منه للوضع: "أنا أيضا أهدي الفوز لكم بالطبع. نحن فخورون بتمثيل جميع أشقائنا في القارة. معا".

وتعكس ردود الفعل الصاخبة تلك الجهود الأخيرة التي بذلها الملك لتشجيع إقامة علاقات وثيقة مع بقية دول القارة الأفريقية، إذ قال الملك محمد السادس، عام 2017 في أعقاب عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب دام 30 عاما، بسبب إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه "أفريقيا هي وطني وسأعود إلى الوطن"، وأتاح هذا التقارب ازدهارا للعلاقات التجارية، لا سيما مع دول غرب أفريقيا.

بيد أن المغرب عضو أيضا في جامعة الدول العربية، لذا فهو ينتمي رسميا إلى الثقافتين.

وعلى الرغم من أن إطلاق صفة "أفريقي" عند وصف المغرب تعد حقيقة جغرافية، إلا أن استخدام كلمة "عربي" أثار استياء العديد من المغاربة ممن لا يرون ذلك.

فالمغرب يضم عددا كبيرا من الأمازيغ كما يفضلون أن يُطلق عليهم، وتشير بعض الإحصاءات إلى أنهم يمثلون نحو 40 في المائة من سكان البلاد، البالغ تعدادهم ما يربو على 34 مليون نسمة، كما أن إحدى اللغات الأمازيغية، "تمازيغت"، معترف بها الآن كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.

لم يكن هذا الجدل وليد اللحظة، بل امتد لفترة طويلة، فبعد منح قطر امتياز استضافة مونديال 2022 مباشرة، صوّرت وسائل إعلامها الحدث على أنه "انتصار للإسلام والعروبة"، كما أشارت عناوين صحف رئيسية في عام 2010.

ومع انطلاق فعاليات البطولة، برزت مفردات القومية العربية والإسلاموية على السطح، كما نشب جدال حول حظر الكحول أو استخدام شارة "حب واحد" الخاصة بمجتمع الميم، وخرج مدافعون عن الإسلاموية والعروبة للدفاع عن قطر والإسلام والتقاليد في مواجهة "الغرب الإمبريالي".

أمازيغية بالملابس التقليدية خلال الاحتفال بعام 2972 حسب تقويمهم، الصورة في الرباط 13 يناير/كانون الثاني الماضي

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الأمازيغ هم السكان الأصليون في منطقة الشمال الأفريقي

بيد أن تشكيل الإطار الأوّلي للحدث، من جانب وسائل الإعلام القطرية، على أنه "فتح إسلامي أو عربي"، والذي لم يلحظه أحد إلى حد كبير، أثار ردود فعل غاضبة عندما أصبح جزءا من لغة التعليق على المبارايات.

لذا عندما دخل أسود الأطلس التاريخ كأول فريق من أفريقيا والشرق الأوسط يتأهل للدور قبل النهائي في بطولة كأس العالم، أشيد بذلك على أنه انتصار للدول الإسلامية والعربية.

وبعد خروج فرق أخرى من دول المنطقة، مثل تونس والسعودية وقطر، مبكرا من البطولة، كان من الطبيعي أن يحتشد عشاق كرة القدم من الدول المجاورة خلف المغرب.

بيد أن البعض سعى إلى تصوير النجاح المغربي على أنه شيء أكبر بكثير، أكثر من الناحية الأيديولوجية والسياسية، ونتيجة لذلك اعتُبر الفريق المغربي رافع لواء الإسلام والعروبة.

وتعززت هذه الحجة عندما احتفل بعض لاعبي الفريق المغربي بفوزهم ورفعوا العلم الفلسطيني في أرض الملعب.

وأثار هذا النوع من الخطاب غضب الكثيرين في شمال أفريقيا، لا سيما المغاربة الذين لا يتفقون مع هذه الأيديولوجيات.

"حرب ثقافية"

انتقد معارض مغربي على يوتيوب، في مقطع مصور غاضب مدته نحو ساعة، أولئك الذين سعوا إلى "تسييس" اللعبة وجعلوها بمثابة حرب ثقافية عالمية.

وقال الأخ رشيد، الذي يتابع قناته 385 ألف شخص، إن نصف الفريق المغربي، بمن فيهم مدربهم، ولدوا في الواقع وترعرعوا في أوروبا، وهم أبناء مهاجرين مغاربة، تعلموا اللعبة وأصبحوا من لاعبي كرة القدم المحترفين في أوروبا.

وأضاف: "إذا أجريت تحليلا للحمض النووي للفريق المغربي، فستجد أن معظمهم من الأمازيغ. معظمهم لا يتحدثون العربية، وإن حدث ذلك، فستكون لغة عربية ركيكة لأنهم عاشوا في الغرب".

ويعد دور الإسلام وحرية التعبير من القضايا الحساسة في المغرب، إذ تعتبر الأسرة الملكية نفسها من نسل النبي محمد، ويحتفظ الملك بلقب أمير المؤمنين، وهو لقب تاريخي للحكام المسلمين الأوائل. وعلى الرغم من ذلك، لم يخش المعارض صاحب قناة يوتيوب من التطرق إلى مثل هذه القضايا الشائكة.

وقال على سبيل المثال: "المغرب يختلف عن الشرق الأوسط، لأنه مجتمع أمازيغي في الأساس، جاء العرب إليه كغرباء في القرن السابع (الميلادي). واليوم يوجد في المغرب عرب وبربر ومسلمون ويهود وملحدون ولا دينيون وبهائيون، يوجد شيعة وسنّة".

واعتبر أن وصف هذا النجاح المغربي على أنه "نصر للعروبة والإسلام هو اعتداء على مختلف مكونات المجتمع المغربي"، بحسب قوله.

مشجع مغربي يلف نفسه بعلم الأمازيغ في إسبانيا

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

مشجع مغربي يلف نفسه بعلم الأمازيغ في اسبانيا

وردا على القوميين العرب أو الإسلاميين الذين سعوا إلى اختطاف الفوز المغربي وتوظيفه لأغراضهم الخاصة، دعت منشورات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي العودة إلى النظر إلى الفريق باعتباره مغربيا. كما نشر البعض صورا للفريق تحتوي على رموز أمازيغية.

وسلط معارضون آخرون الضوء على عبثية تحويل لعبة كرة القدم إلى حرب دينية أو عرقية، بحجة أنه من غير المعقول أن يُعتبر فوز فرنسا أو البرازيل أو الأرجنتين انتصارا للمسيحية.

وأشاروا إلى أن ذلك سيكون من المستحيل، نظرا للمزيج العرقي والديني داخل بعض منتخبات كرة القدم الوطنية في أوروبا على سبيل المثال.

ويعد الجدل بشأن الهوية الحقيقية للمنتخب المغربي أحدث مظهر من مظاهر "الحرب الثقافية" التي أثيرت منذ عقود في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

كانت الهوية الوطنية مبنية على أيديولوجيتين، الإسلام والقومية العربية، وشكلتا الخطاب السياسي في المنطقة لعقود.

وعلى الرغم من أن ذلك كان له مغزاه خلال الكفاح من أجل التحرر الوطني، أي إعطاء أولوية للتماسك الاجتماعي على حساب الحرية الفردية، فيبدو أن الأمر تجاوز حدود الفائدة وأصبح غير مهم في عالم تتزايد فيه العولمة، كما يتضح من الخلاف على مباراة لكرة قدم.