معرض القاهرة الدولي للكتاب: كيف أسهم ارتفاع أسعار الورق والحبر في غلاء أسعار الكتب؟

  • عطية نبيل
  • بي بي سي- القاهرة
صورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب

صدر الصورة، Attia Nabil

بعيون زائغة وتردد واضح تفقدت الأجنحة المختلفة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، خلال زيارتي السنوية التي لم أتخلف عنها إلا لسنوات قليلة جدا طيلة سنوات عمري التي قاربت الخمسين.

تحسست جيبي لتفقد ما أحمله معي من نقود اقتطعتها من راتب الشهر الماضي، لشراء ما أحتاجه من كتب تُعينُني على عملي الصحفي، كما أنني أحب القراءة في بعض الموضوعات السياسية، ولدي شَغفٌ خاص بالروايات والسير الذاتية.

وأمام خزينة الدفع، اكتشفت أن المبلغ الذي بحوزتي يسمح لي بشراء بضعة كتب فقط من تلك التي كنت قد اخترتها من على رفوف العرض، وكنت أمني النفس بقراءتها.

وقال لي مسؤول الخزينة إن أسعار دار النشر التي يعمل بها، ارتفعت بنسبة 80 في المئة عن أسعار العام الماضي، بسبب ارتفاع سعر الورق وتكاليف الطباعة والنقل خلال العام الجاري.

ارتفاع أسعار الورق والحبر

يرتاد معرض الكتاب سنويا نحو مليوني زائر، وذلك وفقا لإحصائيات وزارة الثقافة المصرية التي تشرف على تنظيم المعرض.

خلال جولتي الأخيرة بمعرض الكتاب تحدثت مع العديد من أصحاب دور النشر والزائرين الذين اشتكوا من الارتفاعات الكبيرة في أسعار الكتب، وخامات الطباعة .

بعض رواد معرض الكتاب قرروا مطالعة الملخصات واستعراض الكتب الجديدة للتعرف على حركة النشر بصفة عامة، وبعضهم قرر شراء الضروريات فقط من الكتب التي يحتاجها في الدراسة أو العمل، والبعض الآخر أجل قرار الشراء انتظارا للمزيد من العروض والتخفيضات.

صورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب

صدر الصورة، Attia Nabil

الطباعة حسب الطلب

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

تقول كرم يوسف الناشرة المصرية بدار الكتب، خان للنشر والتوزيع، إن الأزمة المالية العالمية ألقت بظلال قاتمة على صناعة النشر في مصر والعالم. فقد تسبب الإغلاق المواكب لجائحة كورونا ومن بعده الحرب في أوكرانيا في تعطل سلاسل الإمداد، وعرقلة نقل وتصدير الورق والكتب من الخارج.

كما أدى تذبذب سعر الدولار وانخفاض قيمة الجنيه المصري في ارتفاع أسعار الورق والحبر ومستلزمات الطباعة بصفة عامة، وهو ما انعكس على ميزانيات القراء التي كانوا يخصصونها لشراء الكتب.

وتضيف كرم أن عمليات الاستيراد توقفت منذ نحو عام ولم يتم السماح حتى الآن باستيراد الورق، وأصبح المعروض منه قليل للغاية ولا يفي باحتياجات السوق، "على اعتبار أن الحكومة لا تنظر إليها كضرورة عاجلة أو مُلحة"، على حد قولها، مطالبة بضرورة تقديم بعض التسهيلات للناشرين وتخفيض أو إلغاء الضرائب والرسوم الجمركية على الكتب والورق والحبر.

أحد الحلول التي لجأ إليها بعض الناشرين خلال الدورة الحالية لمعرض الكتاب للتغلب على أزمة ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة هو الطباعة "الديجيتال" أو الطباعة حسب الطلب كبديل عن نظام "الأوفست" الذي كان يتطلب طباعة أعداد كبيرة من النسخ بتكاليف باهظة. هذا النظام يتيح طباعة بضع مئات فقط من نسخ الكتاب.

بعض الناشرين أيضا لجأ إلى تقليل أعداد الكتب الجديدة التي يقومون بإصدارها كل عام، بناء على اتجاهات القراء والمواضيع التي تلقى رواجا لدى رواد معرض الكتاب.

تقول سمر محمود إنها تنتهز فرصة المعرض لشراء الكتب المدرسية الخارجية للاستفادة من الخصومات التي تقدمها دور النشر خلال فتة المعرض، محمود الطحان يقول إن هناك بعض الأجنحة مثل الهيئة العامة المصرية للكتاب وسور الأزبكية تقدم الكتب بأسعار مخفضة تبدأ من 10 جنيهات وحتى 100(نحو 3.5 دولار أمريكي) جنيه وفي مجالات معرفية مختلفة، منى سالم قالت لي إنها اشترت كتابين فقط ب 350 (نحو 12 دولار أمريكي) جنيها ولهذا قررت مغادرة المعرض فورا لنفاذ ما معها من نقود، أما خالد عبد اللطيف وهو رب أسرة لخمسة أفراد يقول إن ميزانيته لا تسمح حاليا بشراء الكتب وأنه جاء فقط لمطالعة العناوين إذ أن أسعار الكتب مرتفعة بصورة مبالغ فيها على حد قوله.

صورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب

صدر الصورة، Attia Nabil

تخفيض هامش الربح

يقول محمد حسين طعيمة مدير النشر بإحدى دور الطباعة والنشر المصرية، إنهم اتخذوا قرارا بتخفيض هامش الربح الخاص بالكتب، وتخفيضات تصل إلى 40 في المئة على بعض الإصدارات. وتواصلوا مع بعض المؤلفين لتخفيض مقابل حقوق الملكية الفكرية إسهاما في تقليل سعر الكتاب.

لكنه قال إن هذه الحلول مؤقتة وتتواكب مع فترة معرض الكتاب فقط، ولا يضمن أن تستمر هذه العروض الترويجية بسبب الارتفاعات المتوالية في سعر الدولار مقابل الجنيه، والذي يتحكم في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة التي يتم استيراد أغلبها من الخارج.

أما دينا قابيل الناشرة المصرية في دار المرايا للثقافة والفنون، فتقول إن النشر صناعة مهمة تحتاج إلى دعم من جانب الدولة، حيث ارتفع سعر طن الورق - بسبب الأزمات العالمية - من 18 ألف جنيه عام 2022 إلى نحو 80 ألف جنيه (2600 دولار أمريكي) خلال العام الجاري، وهو ما يجبر دور النشر على رفع أسعار الكتب وتخفيض هوامش الربح بشكل كبير.

صورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب

صدر الصورة، Attia Nabil

قراءة الكتب الإلكترونية

من جانبه، يقول إبراهيم عبد المجيد الروائي والناشر المصري، إنه على الرغم من الأزمة المالية التي "طحنت" العديد من الأسر المصرية ومتوسطي الدخل، إلا أن المعرض شهد إقبالا كبيرا هذا العام باعتباره فرصة مواتية للشراء، نظرا للتخفيضات الكبيرة التي تعرضها دور النشر المختلفة.

ويوضح إبراهيم عبد المجيد أن العديد من الشباب والقراء وجدوا حلولا لمسألة ارتفاع أسعار الكتب من خلال التحول نحو تطبيقات القراءة الإلكترونية المدفوعة أو المجانية عبر شبكة الإنترنت، والتي توفر بعض العناوين المهمة والروايات والإصدارات في مجالات المعرفة المختلفة.

ويضيف عبد المجيد أن بعض الشباب أطلقوا مبادرة للمشاركة، وذلك من خلال شراء روايات أو مطبوعات مختلفة يتم تبادلها فيما بينهم بحيث لا يتحمل القارئ تكلفة شراء كل ما يقرأ من إصدارات أو كتب ومطبوعات.

داليا السيد قالت لي وهي تنظر في هاتفها النقال إنها تعتمد منذ فترة على تطبيق أبجد، وبعض التطبيقات الأخرى في قراءة الكتب مقابل اشتراك زهيد لا يتعدى 50 جنيها، وحسين عبد ربه يقول إنه يستخدم "كيندال" للقراءة عبر شبكة الانترنت، حيث إنه يوفر عددا لا محدودا من الموضوعات التي يمكن قراءتها إلكترونيا.

صورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب

صدر الصورة، Attia Nabil

البيع بسعر التكلفة!

المملكة الأردنية الهامشية هي ضيف شرف هذه الدورة من معرض الكتاب، ومن المعروف أن أسعار الكتب في الأردن تشهد هي الأخرى ارتفاعات كبيرة بسبب تكاليف الطباعة المرتبطة بسعر الدولار ومسألة النقل والتوزيع التي تتكلف أموالا كبيرة، بحسب ما أخبرنا به حسين دعسة، مشرف جناح الأردن بمعرض الكتاب.

يقول دعسة إن وزارة الثقافة الأردنية واتحاد الناشرين في عمان، قررا طرح الكتب خلال فترة المعرض بسعر التكلفة، مع توصية الناشرين من القطاع الخاص بتقليل هوامش الربح حقوق المؤلفين والمبدعين حتى تلقى مطبوعات دور النشر الأردنية رواجا بين رواد المعرض.

وبصفة عامة، يبقى المواطن المصري مترددا ما بين شراء احتياجاته الرئيسية من غذاء وكساء وتكاليف معيشة، وبين شراء الكتب أو استهلاك المنتجات الثقافية المختلف من سينما ومسرح وأمسيات شعرية وغيرها، والتي أصبحت حاليا على هامش اهتمامات المصريين الذين طحنتهم ظروف المعيشة الصعبة وموجات الغلاء المتوالية.